التفاصيل
في ليلةٍ من ليالي سنة ١٦٤٠، بدأ الناس يَفِدُون إلى حانة بوروجونيا في باريس، لمشاهدة رواية "كلوريز" وهي إحدى روايات الشاعر المشهور "بَلْتازار بارو" - ولم يكن للتمثيل في ذلك العصر دورٌ خاصة به، وإنما كانوا يمثلون في الحانات أو المطاعم الكبيرة، على مسارح خاصةٍ يعدونها لذلك.
وكان جمهور المشاهدين في تلك الليلة - كما هو شأنهم في جميع الليالي - خليطًا من العمال والجنود، واللصوص والخدم، والأشراف والعلماء والكتاب، وأعضاء المجمع العلمي الفرنسي، قد اختلط بعضهم ببعضٍ، وجلس أخيارهم بجانب أشرارهم، فبينما العلماء يتناقشون في مباحثهم العلمية والأدباء يتحدثون في شئونهم الأدبية، إذا فريقٌ من الخدم قد ألصقوا شمعة بالأرض، واستداروا من حولها حلقةً واسعة، وأخذوا يقامرون بالمال الذي سرقوه من أسيادهم في ساعات لهوهم واستهتارهم، وآخرون من أبناء الأشراف قد تماسكوا بأيديهم، وظلوا يدورون حول أنفسهم راقصين مترنحين، وآخرون من الغوغاء يأكلون ويقصِفون ويتسابُّون ويتلاكمون، ويجئرون بأصواتٍ عالية متنوعة كأنهم في سوق من أسواق المزايدة، وجماعةٌ من الجند يتلهَّوْن بالمبارزة والملاكمة، لا يبالون من يطئون بأقدامهم، أو يصيبون بشفرات سيوفهم، وفئة من الصعاليك قد اصطفوا صفٍّا واحدًا بين يدي لصٍّ من دهاة اللصوص ومناكيرهم، يعلمهم كيف يسرقون الساعات من الصدور، ويمزقون الجيوب عن الأكياس، وكيف يتغفَّلون صاحب المعطف عن معطفه، والقبعة عن قبعته، والعصا عن عصاه، كأنه قائدٌ يدرب جنوده على الحركات العسكرية، وفتًى من المتأنقين المتظرفين يطارد فتاة المَقْصِف من ركنٍ إلى ركن يحاول إمساكها والعبث بها،