"والحقيقة أنَّ أكثر طلبة الأزهر كانوا من الطَّبقات المصريَّة الفقيرة، وخاصَّة الفلَّاحين منها. وقد رأوا بأنفسهم المظالم الَّتي تعرَّض لها أهلهم إبَّان فترة الحرب العالميَّة الأولى، حين أخطر الفلَّاحون مع الغلاء الفاحش إلى رهن مصاغهم وحليّهم، أو الاستدانة بالرِّبا الفاحش لدفع الضَّرائب، والأكثر من ذلك أنَّ السُّلطة كانت تقسو على الفلاّحين ، وتسفّرهم إلى القفار، وتسيء معاملتهم. كما أنَّ السُّلطة صادرت حيواناتهم ومحصولاتهم لقاء أثمانٍ بسيطة جدًّا، وبذلك وقع العبء على أشدِّ النَّاس فقرًا وأقلّهم نصيبًا. لكلِّ ذلك لم يكن غريبًا على طلبة الأزهر - وهم أبناء الفلاَّحين - وقوفهم ذلك الموقف من الثَّورة".
عن الكتاب:
تناوَلَت هذه الدراسة دَورَ المثقَّفين المصريِّين ومواقفهم من أحداث ثورة 1919 الديمقراطيَّة التَّحرُّريَّة. ومنذ بداية أحداث الثورة وجدنا المثقَّفين يتصدَّرون النِّضالَ في كل حَدَثٍ من أحداث الثورة، فبدءًا من الأحداث العنيفة التي بدأت بعد اعتقال سعد باشا، لَعِبَ الطَّلبةُ الدَّورَ الأكبر، مُستندين إلى رصيدهم النضالي الضخم الذي وَرِثوه عن الحزب الوطني. أيضًا احتجاجات المحامين وإضرابهم، كذلك إضراب الموظَّفين، الذي سَبَّب الشَّلَل الكامل للإدارة. وعندما أرسَلَت بريطانيا لجنة مِلنَر لتقصِّي الحقائق، وُوجِهَت بالمُعارَضة والمقاطعة من المثقَّفين. كذلك مفاوضات عدلي كيرزون فشلت لنفس الموقف من قِبَل المثقَّفين. وعندما تألَّفَت لجنة الدستور وقانون الانتخاب تصدَّى المثقَّفون لمناقشة كافَّة قضاياه؛ ممَّا جعل اللجنة تُعدِّل وتضيف بعضَ البنود، وأهمها على الإطلاق: بند الحُرِّيَّات. وبالإجمال، فإن المثقَّفين لعبوا دَورًا هامًّا في أحداث الثورة، مُتصدِّرين قيادة الحركة الوطنية بما لا يَدَعُ مجالًا للشَّكِّ. وحقَّقوا مكاسب لا بأس بها؛ فقد حصلوا على 78 مقعدًا من مقاعد البرلمان. أيضًا من أهم النتائج: التَّوسُّع في التعليم؛ فزاد عَددُ الطَّلَبة في المدارس من 324 ألفًا عام 1924 إلى ما يقرب من 900000 عام 1933، كذلك زادت ميزانية التعليم من 4% عام 1919 إلى 13% قبل الحرب العالمية الثانية.