كُلُّ فَنٍّ إبداعيٍّ جميل لا بد أن يترك في نفس المُتلقِّي تأثيرًا جماليًّا مُفعمًا بالمَسرَّة والإعجاب. والقصائد التي يحتضنُها هذا الديوانُ توقظ في ذاكرتي لمحاتٍ وألوانًا مضيئةً من فضاء وليم بليك ولوركا وطاغور وماتسو باشو، رائد الهايكو في اليابان. والشاعرة المرهفة عائشة الكعبي تمتاز بثقافةٍ عصريَّةٍ واسعة، ونفحاتُها الشعرية هذه تؤكِّد أن الشعر لغة الروح، وهي تلتقطُ مرارةَ المعاناة الوجدانيَّة التي يكابدُها الإنسان، والمرأة/ الأُمّ بوجهٍ خاص، في هذه الرحلة الجميلة حتى بأوجاعها التي سَرْعانَ ما تختمرُ وتتحوَّلُ إلى ذكرياتٍ يمتزج فيها الحزن بالفرح، والمَحبَّة بالهَجْر والفراق، والخيبة بالأمل، وغروب الشمس وهي تودِّعُ الكون المُوغِلُ في وحشة الظلام، واعدةً بإشراق يوم مبارك جديد.
ونتوقف قليلًا لدى العنوان الذي يكِنُّ في ثناياه شبكةً واسعةً من الأسئلة المُستفزَّة، وكأنَّ الناس لا تكترث بأن يتحوَّل الفرح إلى سلعةٍ بالية من كثرة الاستعمال. ونرى أن معظم عناوين القصائد تشكِّل صورًا شعريَّة لا تقلُّ جمالًا ودلالةً وإيحاءً عن نصوص القصائد، وهي تنسجُها بمُنَمْنَماتٍ ملوَّنة، لا تكتفي بإزاحة الكلمات عن معانيها المُعْجميَّة الجامدة، إنما تمنحها مرونةً وشفافيةً أثيريَّة وتُبدعها في صور جديدة مُبتكرَة. وقارئ هذه القصائد لا بد أن يتساءل كيف تمكَّنت الشاعرة بأسطُرٍ قليلة، وأحيانًا بكلماتٍ معدودة، أن ترقَى بتشكيل صُوَرِها الشعريَّة إلى فضاء الوَجْد الصوفي، رقَّةً واستبطانًا وتأثيرًا.