على جناحَيْ طائر النيمباكو، يحلق القارئ مع أميرة بدوي في روايتها "هوامش من دفتر الأنفار" بعيدًا عن الريف المصري هذه المرة، فوق أراضٍ بقوانين خاصة، وقدرات خاصة. قبيلة أسطوريَّة من زمن قديم تقع في أَسْر قوات أحد أبناء الباشا، وكان يظنُّ أهلها أن عيون العالم لا تراهم، وأن تلك اللعنة لن تنهشهم، وأن تلك الخيانة لن تضيِّع ملامحهم.
على أنغام موسيقى الناي، لا يكفُّ السرد عن طرح الأسئلة: ماذا يمكن أن يكون شكلُ الحكاية إن رُوبَت على ألسنة الهوامش؟ كيف يمكن للتابع أن يتكلم، بتعبير الناقدة الأمريكية جاياتري سبيفاك، وما جدوى كلامه؟ وماذا إن كان للهامش عدة ألسنة، عدَّة رُواة، يكذِّب كل منهم لسان الآخر، ويقول للقارئ بأعلى صوته: أنا لست راويًا كذَّابًا، في حضرتي أنا ستعرف الحقيقة، ستعيش على جبل الجراد في قرية أبناء النيمباكو وتتذوق العادات والتقاليد والطقوس واللعنات، ستستقلُّ تلك السفينة التي أُسروا على متنها، سترى السجون والعساكر، القادة والبحَّارين، ستحب أن تترك أذنك على أحد الجدران لتعرف ما يدور بالداخل، وستريد أن تقرأ تلك الرسائل التي يكتبها مراد لقارئ مجهول ويرميها في عُرض البحر.. بليغ، هل هو ابن الباشا أم ابن النيمباكو؟ في أي صفٍّ سيقف؟ هل سيترك القبطان المجنون يلقي بأجسادهم في البحر؟ هل سينجح التمرُّد في اختراق السجن الذي صُمم على طريقة الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنثام للسيطرة عليهم وكسر قُواهم التي يُقال إنها خارقة؟ مَن سيكون المنقذ ومَن سيكون الخائن؟ وما معنى الخيانة أو الحب أو الهزيمة؟ ما معنى أن تتحول إلى أسطورة رغمًا عنك وأنت لا تريد سوى الحياة على الهامش؟ ومَن سيأخذ بيديك عزيزي القارئ ليكمل لك الحكاية؟
"هوامش من دفتر الأنفار" ليست مجرد حكاية عن القرية والسفينة، إنَّها حكايةُ من لا حكايةَ لهم في كتب التاري