غداً الجمعة موعد الشقاء. لا راحة في يوم الراحة. يوقظني أبي في غبش الفجر: "فاضل. ولد يا فاضل. فِزّ يا لوح". يلكمني في جنبي بقبضة يده، فأقفز مذعوراً..
: خذ البقرة والعجل، واذهب إلى "الرَمِيَّة". اربطهما جيداً، ولا ترخِ الحبل لهما طويلاً فيدهسا البرسيم. بعد الظهر اسقهما من القناة الصغيرة لا من الترعة، ورش عليهما بيديك بعض الماء.
: هل فهمت؟
: فهمت.
: سآخذ ابنيْ عمِّك وأختك معي إلى "حوض الليث"، لننظِّفَ الهالوكَ من الفول، سآتيك عصراً بالحمار، فجهِّز حملين كبيرين من البرسيم. حِشَّه
بنظام، ولا تقتلعه من جذوره فأقلع عينيك.
تعقد أمِّي خرقة متَّسخة، على رغيف لدن، وقطعة جبن، وبصلة، لم تعد تخشى شيئاً بعد بشارة الغجريَّة، تقول: كُلْ، ولا تشرب من التُّرْعة.
أَنْتِشُها من يدها، وأغمغم: من أين إذن أشرب يا أمِّي؟!
تقتحمني حكاية جحا وحماره وابنه، فأزداد مرارة وحنقاً. يركب أبي لخطوتين "حوض الليث لصق مباني البلدة"، وأمشي أنا الصغير ثلاثة أرباع الساعة إلى "الرَّميَّة"، الواقعة في زمام بلدة أخرى بعيدة. أربع محطَّات بعربة الحكومة!!
: يا أبي. أخاف العفريت، والذئب الأسود. خذني معك.
: تهيُّؤات يا طري. كلها تهيُّؤات. بعض بني آدم مثل العفاريت. ثم إنّ معك المنجل، اضرب به الذئب والعفريت. دافع عن نفسك. ألست رجلاً؟! لو زوَّجتك اليوم لأنجبت عشرة.