تعلّمَ العباسيّونَ مِنَ الضرباتِ الموجعةِ التي وجّهَها الحكمُ الأُمويُّ لكُلِّ مِن ثارَ مِنَ العلويّينَ ولزعمائِها بشكلٍ خاص، فأسّسوا دعوتَهم على السريّةِ. فعَهِد محمّد بنُ عليِّ إلى شيعتِه أنْ يؤلّفوا منهم دعاةً يدعونَ النّاسَ إلى ولايةِ أهلِ البيتِ دونَ أنْ يسمّوا أحدًا خوفًا مِن بني أميّة أنْ يقضوا على المدعو إليهِ إذا عُرفَ.
وهناك شرقًا في خُراسان بعيدًا عِن مركزِ الخلافَةِ الأُمويّةِ بالشّامِ، نشأتْ وتكوّنتْ بذرَةُ الدّولَةِ العبّاسيّةِ، فهناكَ النّزاعُ العربِيُّ ما بينَ القيسيّة واليمانيّةِ، وهناك عدَدٌ كبيرٌ مِنَ الفرسِ والموالي المستائينَ مِنَ الحكمِ الأُمويِّ، والموالي هم الذين كانوا أرقاء ثُمَّ أُعتِقوا بغضّ النّظرِ عن أصولِهم سواءٌ أكانوا عربًا أم عجمًا على خلافِ ما يقولُه المؤرّخونَ المحدثونَ مِن أنَّ المواليَ هم المسلمونَ مِن غيرِ العربِ، فزيد بنُ حارثةَ كانَ مولى رسولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلّمَ - وهو عربيٌّ، والمقدادُ بنُ عمرو كانَ مولى الأسودِ بنِ عبدِ يغوث الزهري وهو عربي. وقد يكونُ المولى بالحلف فعبد الله بن جحش حليفُ بني عبدِ شمس، وهكذا فالموالي إذنْ مَن كانَ أصلُهم أرقّاء ثُمّ أعتقوا، أو مَن كانوا قَد تبنوا مِن قبلِ أحدٍ، أو مَن كانوا أحلافًا لقبيلةٍ ذاتِ مكانَةٍ، وذلكَ بغضِّ النّظرِ عَن أصولِهم وألوانِهم، وسواء أكانوا مِن العربِ أم مِن الأعاجمِ.