كانت نسرين في الميدان مع رامي... استطاعا التسلل إلى القاهرة عبر طرق أخرى يُعرفها عليهم السواقون لتعويض الرزق المقطوع من إغلاق الطرق.. تابعوا بيان التنحي على شاشة التلفاز. أخيرا اعترف الإعلام المصري بوجود ثورة. حملت الطفلين فوق رأسها, هللت وصرخت معهما من السعادة.. هتفوا بهتافات الميدان التي حفظوها
عيش حرية .. عدالة اجتماعية
ارحل يعني امشي يا اللي مبتفهمشي..
لم تتخيل أن هتافا ساخرا كهذا قد أطاح بأكبر رأس في البلد وأسقطها بكل تلك السهولة. أرتها نسرين بعد عودتها بعض الصور الحية
التي التقطتها بهاتفها للميادين والشوارع . صورا تعلق فيها بعض الشباب فوق المباني والأعمدة لتمزيق صور الرئيس الذي أصبح سابقا الآن. حكت لها عن المنتقبة التي حاولت تغيير الهتاف هي ورفيقاتها دون أن ينضم إليهن أحد. أرتها صورا أقدم في المنصورة حين مرت المظاهرة من أحد الشوارع المتفرعة من شارع جيهان قبل أن تتوقف قبالة بيت بعينه.. استدارت لحظة الوقوف تستطلع الأعداد التي رأتها قد تكاثرت خلفها بطريقة غير طبيعية. قرأ المتظاهرون الفاتحة كلهم في صوت واحد. صورت وجه المرأة التي لوحت لهم من شرفة البيت رغم انهمارها في البكاء. كان ابنها قد استشهد في مظاهرات الجمعة السابقة. شاركهم القراءة أهالي كثيرون.. فتحوا نوافذهم وشرفاتهم المغلقة.. أفسح بائعي السوق أماكنهم بمنتهى الرضا لكي تستكمل المظاهرة مسيرتها.. بعد عدة أشهر سقط شهيد آخر, لكن ضحى كانت تعرفه جيدا هذه المرة. كان زميلها لثلاث سنوات في المرحلة الثانوية ذهبت لتؤدي واجب العزاء. لم تعرف ملابسات موته كملابسات كثيرة.. أطلقوا اسمه على أحد الميادين؛ ميدان الشهيد أحمد فاروق. مرت كثيرا من تحت صورته المعلقة في الميدان, وفي كل مرة تنظر إليها وتشعر أنها لازالت غير قادرة على الاستيعاب.. ولدت ضحى في أواخر الثمانينيات. سمعت عن حرب أكتوبر, عن نكسة 67 عن حروب الاستنزاف عن العدوان الثلاثي.. قرأت عنهم ودرست بعض الأحداث في مادة التاريخ.. شاهدت أفلام ومسلسلات كثيرة عن الحرب.. لكنها لم تر شهيدا من قبل. لم تصافح أهله, لم تزامله, لم تجالسه في نفس المكان وعلى نفسة التختة.