التفاصيل
"كانت الحملة الفرنسيَّة على مصر هي أوَّل محاولة ـ منذُ الحروب الصليبية ـ قامت بها دولةٌ غيرُ مسلمةٍ لغزو وادي النيل، وهي ـ أيضا ـ أوَّل مرةٍ منذ الفتح العربيِّ تحكمُ مصرَ دولةٌ مَسيحيَّة. وكان نابليون - وهو يخطو خطواته نحو مصر- يعلم جيداً أنَّ مصرَ هي مفتاحُ الشرق، وأنَّها هي الحاجزُ المنيعُ الذي يحمي هذا الشرق بإمكاناتها البشريَّة، ومكانتها الثقافيَّة والحضارية؛ كقلعة من أهمِّ -إنْ لم تكن- أهمَّ قلاعِ الذَّودِ عن العالم الإسلاميِّ؛ وموقعها الجغرافيّ المتميز. ولكنَّه يدرك -أيضا، وبكلِّ وضوح- أنَّه وإنْ استطاع اختراقَ هذا الحاجز بحراب جيشه ؛لن تلبث هذه الحرابُ أن ترتدَّ وتنكسر إن لم يُنسَفْ هذا الحاجزُ من أساسه.هذا الحاجزُ هو الحاجزُ الدينيُّ بأيديولوجيَّتِهِ الثقافيَّةِ، ومضمونه الحضاريِّ؛ ومِن ثَمَّ يستطيعُ أنْ يحوِّلَ مصرَ إلى قاعدةٍ أوروبيةٍ يستطيع بواسطة إمكانيَّاتها أنْ يبسطَ سيطرتَه على كلِّ هذا الشرقِ، ويحقِّقَ أهدافَ أسلافِه (روّاد الحركة الصليبية)..."