أعذب الحديث حديث النفس ، إلى النفس وعن النفس . ولن يفرغ الحديث عنها في صفحة او كتاب او مجلدات. فهي السر المكنون واللغز الذي حارت فيه العقول ، على وفرة ما قال عنها الحكماء والمفكرون من أقدم العصور حتى اليوم. ولست أزعم أني قد كشفت الغطاء حتى برح عن أسرار النفس الخفاء ولكنها محاولة تضاف إلى محاولات السابقين الذين استفدت من اطلاعي على آرائهم، أو هي نظرة شخصية رأيت منها النفس الإنسانية كما بدت لي. وهل العلم إلا النظر؟ ولذلك جاءت هذه الدراسات موسومة بطابع النزعة الشخصية ، والتجربة التي حدثت لي خلال حياتي. ولم أتعمد التأليف فيها عن قصد ، فهي خطرات تجاوبت في نفسي، نشأ بعضها عن القراءة ، وبعضها الآخر عن التأمل في سيرة الناس ثم أودعتها مقالات في الصحف ، أو أحاديث على أمواج الأثير. وقد ضممتها في هذه الباقة، ورأيت أنها قد تكشف عن بعض الأسرار. ولما كانت هذه الفصول ثمرة التجربة الشخصية، فإنها تمتاز بالصدق والإحساس الصادق أساس كل دراسة نفسية أصيلة ، لأن يكشف عن الحق ويصل إلى القلب.
