لا يسعى هذا الكتاب إلى دراسة مُجمل أعمال طه حسين، بل إلى تناول جوانب محدَّدةٍ منها، أعتقد أنَّها مرتبطةٌ بأسئلتنا الحاضرة أكثر من غيرها: أوَّلًا، العلاقة مع الغرب والقيم المشتركة الكونيَّة؛ وثانيًا، العلم والعقل وحدودهما وصِلة ذلك بالدين؛ وأخيرًا، التراث وقراءته. في المواضيع الثلاثة، قدَّم طه حسين مجموعةً من الأفكار الأصيلة والشجاعة والعميقة، بعضها مختلطٌ مُربِك، بحاجةٍ إلى نقدٍ وتصحيح، ولكنَّها في مجملها ما زالت صالحةً في عالمنا اليوم.تتواشج هذه الأمور الثلاثة لتُشكِّل لُبَّ فكر العميد التقدُّميِّ الليبراليِّ التحرُّريِّ: قيمٌ مشتركةٌ لكلِّ الناس، تعتمد على العلم والعقل، ولكنَّها ترسم حدودًا للعقل والعلم من دون أن تتخلَّى عن العقل (كما تخلَّى عنه الرومانسيُّون وما بعد الحداثيِّين والنسبويُّون)، ومن خلال هذه القيم، نتمسَّك بالتراث بشرط إعادة قراءته على نحوٍ جذريٍّ وثوريٍّ وكامل.
هذا الكتاب ليس تقريظًا لطه حسين، على الرغم من إعجابي غير المحدود بشخصيَّته وبفكره. أنتقد العميد في عدَّة نقاط؛ في أدبه وتخبُّطه وغموضه، كما سيتَّضح في متن الكتاب. ولكنَّني أستعيد مُحاجَجاته الرئيسة، وأشرحها بالتفصيل، منتقدًا نقَّاده الكثيرين، للوصول إلى أجوبةٍ على أسئلةٍ معاصرةٍ لنا اليوم.