التفاصيل
كان عبد المطلب سَمْح الطبع رضيَّ النفس، سخيَّ اليد، حلو العشرة عذب الحديث. وكان عبد المطلب أيضًا قويَّ الإيمان، تملك قلبه وتسيطر على نفسه نزعة دينية حادة عنيفة، ولكنها غامضة، يحسها ويخضع لها، ولكنه لا يتبينها ولا يستطيع لها فهمًا ولا تفسيرًا. وأبوه من مكة، حيث التجارة والثروة، وحيث المكر والدهاء، وحيث الوثنية السهلة التي لا تحرُّج فيها ولا مشقة. وأمُّه من يثرب، حيث الزراعة والصناعة اليسيرة، وحيث اليهودية تجاوز الوثنية فتضعفها، وتنقص من ظلها وتكاد تمحوها، وحيث الأخلاق اللينة والشمائل الحلوة، وحيث الظرف ونعومة الحياة.ولد في يثرب، ومات عنه أبوه فلم ينقله إلى مكة، فنشأ بين أخواله وتأثر بحياتهم وتخلق بأخلاقهم وسار سيرتهم، حتى بلغ الشباب أو كاد. ثم أقبل عمه فانتزعه من إقليمه السهل الهين، إلى إقليم آخر صعب عسير، تجدب فيه الأرض، ولا تبتسم له السماء إلا قليلًا، ويرحل أهله إلى الآفاق ويفد على أهله الناس من جميع الآفاق، فهم يأخذون من الناس ويعطونهم ويبادلونهم الأخلاق والشمائل كما يبادلونهم المنافع وعروض التجارة.