والمحب الصامت يستطيع أن ينقل لغته وحبه إلى الآخر.. إذا كان الآخر على نفس المستوى من رهافة الحس.. وإذا كان هو الآخر قادرًا على السمع بلا أذن والكلام بلا نطق.
والإنسان معجزة المخلوقات..
وهو ليس آلة كاتبة.. ولا أسطوانة ناطقة.
وهو أكثر من مجرد آليات جسدية..
هو عقل وروح ووجدان..
وذاته مستودع قوى وأسرار إلهية.
وهو يستطيع أن يتكلم بلا نطق.. ويسمع بلا أذن.. ويرى بلا عيون.ونحن نرى في الحلم بلا عيون، ونسمع بلا آذان، ونجري بلا سيقان..
وقد رأى المبصرون بعيون طه حسين ما لم يروا بعيونهم..
وفي رؤى أبي العلاء وأشعاره ما لا تتطاول إليه عيون المبصرين أصحاب العيون.
والحقائق العالية تقصر دون بلوغها الحروف والعيون والآذان.. وإنما خُلقت الحروف للتعبير عن أشتات العالم المادي وجزئياته، وهي مجرد رموز ومصطلحات ونظائر لما نرى حولنا من شجر وحصى ورمل وبحار وتلال ووديان وجبال.
أما عالمنا الداخلي.. وسماواتنا الداخلية.. وسرائرنا العميقة.. فتقصر دونها الحروف ولا تصورها كلمات..
وكلما كان شعورنا حميمًا، وكلما كان حبنا متغلغلًا في شغاف القلب، مالكًا ناصية السر، ساكنًا لب الفؤاد.. عجز اللسان وتضعضعت الكلمات وتقطعت العبارات.
والحقائق الإلهية أكثر استحالة على الألفاظ.
هنا الألفاظ تتحول إلى جلاميد صخر لا تصلح على الإطلاق لوصف ذات ﷲ المطلقة.